روسيا تسعى إلى إرساء شراكات استراتيجية جديدة لتعزيز تحلية المياه ومواجهة ندرة الموارد المائية بشمال إفريقيا

يمثل شح المياه أحد أبرز التحديات التي تواجه العالم في القرن الحادي والعشرين، وقد صنفه تقرير المخاطر العالمية لسنة 2025 في المرتبة الثانية ضمن التهديدات الكبرى للاستقرار الدولي. وتعد دول شمال إفريقيا من أكثر المناطق تضررًا بالإجهاد المائي نتيجة تغير المناخ وتزايد حدة الظواهر الجوية المتطرفة، وهو ما انعكس بشكل واضح على انخفاض معدلات التساقطات المطرية، حيث سجلت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في تقريرها حول حالة المناخ بإفريقيا لسنة 2024 أن كميات الأمطار في شمال غرب القارة كانت أقل بنسبة 20 في المائة من المعدلات المرجعية للفترة 1991-2020.
هذا الوضع الحرج، المتزامن مع الضغط المتزايد على الموارد المائية بسبب النمو السكاني واعتماد الاقتصاد على الزراعة، دفع دول شمال إفريقيا إلى تبني استراتيجيات غير تقليدية لمواجهة الأزمة، من أبرزها تحلية مياه البحر. فبفضل الواجهات البحرية الواسعة التي تتمتع بها، بدأت هذه الدول في استغلال هذه الإمكانيات لتأمين مياه الشرب ومياه الري على حد سواء. المغرب مثلًا أطلق برنامجًا طموحًا يستهدف تأمين أكثر من 1.7 مليار متر مكعب من المياه المحلاة سنويًا بحلول 2030، عبر مشاريع كبرى مثل محطة الدار البيضاء التي ستصل قدرتها الإنتاجية إلى 300 مليون متر مكعب سنويًا.
مصر بدورها وضعت خطة إستراتيجية لتحلية المياه تمتد بين 2025 و2050، وتشمل إنشاء 23 مشروعًا في مرحلتها الأولى بطاقة إنتاجية تفوق 2.6 مليون متر مكعب يوميًا في أفق 2030، مع طموح للوصول إلى 9 ملايين متر مكعب يوميًا بحلول 2050. أما الجزائر فتستهدف رفع مساهمة التحلية لتغطية 72 في المائة من حاجيات مياه الشرب، بينما تراهن تونس على بلوغ نسبة 30 في المائة من خلال محطات التحلية بحلول 2030.
في موازاة هذه الجهود، برزت روسيا كفاعل وشريك استراتيجي محتمل لدول المنطقة، بفضل خبرتها في الدمج بين تقنيات تحلية المياه والطاقة النووية. إذ تقدم موسكو حلولًا مبتكرة تشمل التناضح العكسي، التقطير متعدد التأثيرات، واستخدام الطاقة النووية العائمة، إلى جانب تطوير مواد حيوية لتنقية المياه من الملوثات. هذه الابتكارات، التي جرى اختبارها في دول مثل كازاخستان وتركيا، تعكس قدرة روسيا على توفير حلول شاملة تجمع بين الماء والطاقة.
في المغرب، تم توقيع مذكرة تفاهم بين شركة وطنية وشركة روسية متخصصة في تحلية المياه ومعالجتها، بهدف إقامة مشاريع مشتركة تعزز الأمن المائي للبلاد. كما يشير خبراء إلى أن ربط مشاريع التحلية بالطاقة النووية يمثل خيارًا إستراتيجيًا للتقليل من كلفة التشغيل المرتفعة لهذه المحطات، بما يضمن استدامة الإمدادات المائية ويعزز من قدرة القطاعات الزراعية والصناعية على مواجهة الضغوط المتزايدة.
ويؤكد متخصصون أن تعميق التعاون بين شمال إفريقيا وروسيا في هذا المجال قد يفتح آفاقًا جديدة لشراكات رابح-رابح، خاصة في ظل الحاجة الماسة للمياه في المنطقة، والتزام روسيا بتقديم دعم تقني وتعليمي وتكنولوجي واسع للدول الإفريقية. فالمياه، باعتبارها أساس الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية، باتت اليوم في قلب التحولات الجيوسياسية، والتعاون حولها أصبح ضرورة استراتيجية لضمان الاستقرار في شمال إفريقيا.