المغرب يواصل تنزيل استراتيجية مائية متكاملة لتعزيز الأمن المائي بمختلف الجهات
رغم سبع سنوات متتالية من الجفاف وازدياد حدة التغيرات المناخية، يواصل المغرب نهجاً استباقياً يقوم على تحويل الأزمة إلى فرصة. فقد تبنى رؤية متكاملة تهدف إلى بناء نموذج مائي متكامل. وتشكل هذه الرؤية جوهر استراتيجية وطنية طموحة ترمي إلى بناء 155 سداً جديداً خلال السنوات الثلاث المقبلة.
تأتي هذه الجهود كأولوية وطنية تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية، حيث تم تحديد هدفين رئيسيين يتمثلان في ضمان الولوج الشامل إلى الماء الصالح للشرب بنسبة 100% وتغطية 80% على الأقل من حاجيات السقي. هذه الأهداف ليست مجرد مؤشرات تقنية، بل تمثل استراتيجية لتحقيق العدالة المجالية في توزيع الموارد المائية.
ورغم التوزيع غير المتكافئ للموارد المائية ببلادنا، حيث تتركز 53 في المائة من التساقطات المطرية في 7 في المائة فقط من مساحة البلاد، فإن المغرب لم يتعامل مع ذلك كعائق بل كحافز للابتكار. فقد دفعت ندرة المياه وتراجع نصيب الفرد منها إلى الاستثمار في مشاريع التحلية المعتمدة على الطاقات المتجددة، وإعادة استعمال المياه العادمة، إضافة إلى ربط الأحواض المائية لتقوية التضامن المائي بين المناطق.
وتتضمن الاستراتيجية المائية الوطنية مجموعة من المشاريع المترابطة مثل بناء السدود الكبرى والصغرى، وإنشاء محطات لتحلية المياه. وترتبط هذه المشاريع ارتباطاً وثيقاً بالانتقال الطاقي، إذ تشتغل محطات المعالجة وتحلية المياه بالطاقات النظيفة (الشمسية والريحية).
ويأتي ذلك ضمن البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020 - 2027، بميزانية تبلغ 143 مليار درهم. يشمل البرنامج بناء 16 سداً كبيراً، و4 سدود متوسطة الحجم، و92 سداً صغيراً خلال الفترة ما بين 2025 و2027، في تنسيق بين كل من وزارة التجهيز والماء، الداخلية، الاقتصاد والمالية، مع التركيز على المناطق الأكثر هشاشة من حيث الموارد المائية.
وتمثل هذه السياسة المائية تجسيداً للرؤية الملكية الهادفة إلى تجاوز الفوارق المجالية، من خلال تمكين المناطق البعيدة من البنيات الأساسية الضرورية لجذب الاستثمارات الفلاحية والصناعية، مما يساهم في إدماجها ضمن دينامية التنمية الوطنية. فالماء لم يعد مجرد مورد طبيعي، بل أصبح أداة لتحقيق العدالة المجالية وركيزة للتنمية المستدامة.
ومع استمرار تنفيذ هذه المشاريع الطموحة، يتجه المغرب نحو أفق 2030 ليصبح قوة إقليمية في مجال الأمن المائي. فالجمع بين بناء السدود، وتحلية المياه، واستعمال الطاقات النظيفة سيضمن مرونة النظام المائي حتى في فترات الجفاف الصعبة، وسيدعم تنافسية الفلاحة والصناعة، ويعزز مكانة المملكة كفاعل إفريقي رائد في مجال الأمن المائي، مما يجعل التدبير الأمثل للموارد المائية من ركائز السيادة الاقتصادية للمغرب.