الخطارات في مراكش.. تراث مائي يبرز عبقرية تدبير الماء عبر القرون

تشكل الخطارات في مدينة مراكش أحد أقدم وأهم أنظمة تدبير المياه، والتي تعكس عبقرية مغربية في التكيف مع ظروف مناخية صعبة وبيئة جافة. هذه القنوات الأرضية، التي تمتد تحت سطح الأرض، لعبت دورًا رئيسيًا في تزويد المدينة بالماء منذ قرون، وساهمت في جعلها واحة خضراء وسط الصحراء.
نظام الخطارات يعتمد على نقل المياه من مناطق جبلية أو مرتفعة إلى داخل المدينة عبر قنوات تنقل الماء دون الحاجة إلى طاقة، مع حماية الماء من التبخر. هذا النظام كان أساس سقي حدائق مراكش الشهيرة، مثل حدائق المنارة وأكدال، كما ساعد في تلبية حاجيات السكان اليومية من الماء.
المرابطون، الذين أسسوا المدينة، اعتمدوا بشكل كبير على هذا النظام المائي الفريد، ما مكنهم من بناء مدينة خضراء وسط أرض قاحلة. الباحثون يعتبرون أن هذه التقنية التقليدية تمثل نموذجًا ذكيًا، حيث تحافظ الخطارات على جودة المياه بفضل وجود فتحات للتهوية، كما تساعد على استقرار الرطوبة في الهواء.
تُعد الخطارات أيضًا نموذجًا بيئيًا متكاملًا، يدمج بين الحفاظ على الموارد المائية وحماية التوازن البيئي والاجتماعي. وفي ظل التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة، تعود هذه التقنية القديمة لتثير اهتمام الباحثين من جديد، باعتبارها وسيلة فعالة للتكيف مع ندرة المياه.
تقنية الخطارات هذه تُقدم درسًا بيئيًا مهمًا: كيف يمكن لتقنية بسيطة، محلية، وغير مكلفة أن تساهم في تحقيق الأمن المائي لمدينة بأكملها. وهو ما يجعل منها مصدر إلهام لمشاريع حديثة، تسعى لاستلهام مبادئ الخطارات في تدبير الماء بأسلوب يحترم البيئة ويقلل من التبذير.